JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

الصفحة الرئيسية

أبو نورة الأحيوي شاعر السهل الممتنع ، بقلم الأستاذ مسعد بدر

 


 يعتبر الشاعر أبو نورة سلامة بن جمعة بن غيث النجمي الأحيوي المشهور بــ ( أبو نورة الأحيوي ) من أبرز شعراء بدو الديار المصريّة عامّة وسيناء خاصّة ، وهو  من أنشط رجالات قبيلة الأحيوات وأكثرهم تفاعلاً 

كتب الأستاذ مسعد بدر ــ شمال سيناء

الشاعر (أبو نوره) الأحيوي علامة مُهمة من علامات الشعر النبطي في سيناء، ورمز من رموزه الكبار؛ بما له من أسلوب يميّز أشعاره ويطبعها بطابعه الشخصي، حتى أن كثيرا من أهل الشأن إذا رأوا له بيتا أو بيتين قالوا على الفور: هذا (أبو نوره)! فضلا عن أن يروا له قصيدة كاملة.

يقول شاعرنا الأبيات القصيرة والقصائد الطويلة بديهةً على السجية، لا يتصنّع ولا يتكلّف؛ فهو شاعر (مطبوع) لا يرهق نفسه ولا يتعنّت أمام الألفاظ حين تستدعيه، وهي أيضا لا تتعنّت حين يحتاج إليها، كلاهما يستدعي الآخر؛ فيلتقيان لقاء حميميا في نقطة إبداع حقيقي، رشيق في لفظه، سهل في بنية عبارته، حتى ليعتقد الكثيرون أنهم يستطيعون أن يقولوا مثله، فإذا حاولوا فشلوا؛ لأنه الأسلوب (السهل الممتنع)، كما يُقال.


نستمع إليه وهو يقول:

تحطمت كل الأماني والأحلام

ونور الأمل عيّا يبيّن بصيصه

نمشي ونحسب صافي العِدّ قدّام

واثرا مواريد الليالي عويصة

والحظ بارك طول الأيام، وإن قام

يقودنا للبين قود القليصة

ولنتأمل مدى قدرته على التجاوب مع الألفاظ الجديدة على بيئة البادية: تحطمت الأماني، ونور الأمل، (وهما – أيضا – صورتان بلاغيتان لا يعرفهما تراثنا القديم). ومدى قدرته على مزجها بألفاظ التراث الأصيلة في البادية: عيّا (رفض)، العِد (البئر)، اثرا (ألا إن)، بارك (صفة للبعير الذي لا ينهض)، القليصة (البعير الذي يقود الإبل) ، وقد صاغ من هذه الألفاظ التراثية صورا بديعة مصدرها بيئة البادية، مثل: "صافي العد" التي تصور الأمل ببئر صافٍ ماؤها. و"الحظ بارك" التي تصور الحظ ببعير لا يقدر على النهوض. ثم يستخدم هذا الإجراء البلاغي القديم: (الطباق)، بين "بارك – قام" ليرسم لنا صورة مؤثرة معبرة عن خيبة الأمل "البارك"، فإن "قام" فإنه يقودنا نحو "البين" كأنه "قليصة"، وكأننا إبل تـتبعه لا تقدر على مقاومة هذا الحظ السيئ!

ثم لعلنا نلاحظ مدى الصعوبة في انتقاء ألفاظ قافية الشطر الثاني، مما ينبئ عن مقدرة لغوية عالية. والحقيقة أن من يتقصّى قصائده يرى أنه ينوّع في ألفاظ القوافي تنويعا يشهد بثرائه اللغوي وحسن اختياره من بين البدائل الكثيرة التي تختزنها ذاكرته.

وللألفاظ عند (أبو نوره) مكانة أثيرة، وله فيها رأي خاص. وفي هذا الرأي تفصيل نشرحه ونوضحه في الفقرة التالية.

المعروف أن الشعر النبطي شعر موزون مقفّى. والمعروف أن لهجات القبائل في سيناء تختلف وتتباين في الألفاظ، وفي معانيها، وفي طريقة نطقها بين تسكين الحرف وتحريكه، مما يؤثر في الوزن. فكلمة (عِلم) ربما نطقها البعض بسكون اللام، وآخرون ينطقونها بكسرها، وهو ما يستدعي من المستمع تحديد لهجة القائل قبل أن يحكم على وزن البيت، وهو عمل ليس باليسير؛ فيقترح (أبو نوره) أن يكون لشعر سيناء النبطي لهجة واحدة مشتركة يتفق عليها جميع الشعراء فتضبط الوزن من ناحية، ومن ناحية أخرى تتخلص من مثل كلمة (الدني) التي يُراد بها عند بعض القبائل: (الدنيا)، لكن شاعرنا يرى أنها تذهب بالمستمع نحو معنى (الدناءة)، وهذه لفتة لغوية بليغة.

والمهم أن (أبو نوره) لا يقنع بأن يطرح فكرة نظرية حتى يعزّزها بأداء فني تطبيقا لها، فمع أنه من قبيلة الأحيوات، من (طابا) في جنوب سيناء؛ فإن أبناء القبائل والمناطق الأخرى، لا يجدون أية غرابة في ألفاظه، ولا صعوبة في وزن أبياته على : مستفعلن مستفعلن فاعلاتن

ومن رافقَ قْروم الرجاجيل كسبان

ومن رافق الهبلان يا حيف حيفه

والحر ما يرضي مهونة وحقران

والذيب ما يسري على شان جيفة

ثم يجاوز (أبو نوره) مرحلة تأسيس اللفظ إلى الإبداع بشتى صوره، وقد اخترنا له قصيدة تظهر فيها براعته رسم صورة (بانورامية) بليغة، يقول:

يا صاحبي لا زان وقتك وغرّك

اِفطن ترى الأيام سوق وتجارة

مرة توقّف بك ومرة تحرّك

وتضيع فيها بين ربح وخسارة

يا كم قبلك في هواها تدرّك

وأمسى يصفّق في يمينه يساره

و(بانوراما الصورة الشعرية) تعني: رسم رؤية شاملة للمشهد الشعري، فيها إيقاع وحركة وحيوية، أو هي ‐ بتعبير آخر - الصورة الشعرية المتحركة والمتكاملة، التي تقوم أساسا على استخدام (الأفعال)؛ لأن الفعل هو الأداة الأولى والفعالة في تحريك مكونات الصورة، وهذه الصورة إذا تحركت؛ منحت القصيدة كلها قدرة وطاقة على الحركة والحيوية تنعكس على المتلقي؛ فيتفاعل معها، وتبتعد به وبالقصيدة عن الجمود والسكون.

لاحظوا - في هذه الأبيات - كيف صنعت الأفعال صورة ديناميكية معبرة: زان، غرّك، توقف، تحرك، تضيع، يصفق...، حتى وصلت إلى المشهد الأخير الرائع، حيث ضربُ الكف بالكف على ما خسره الإنسان في سوق الحياة.

كما نلاحظ كم كان الشاعر دقيقا في انتقاء أفعال دالة على الحركة في معناها، وفي نطقها ومبناها: غرّك، تحرّك، تدرّك، هذه الراءات المشددة تجبرك إجبارا على تحريك لسانك في النطق؛ لتتوازى بنية اللفظ مع بنية الحال المعبر عنها.

والأبيات – بعد – تمثل شعر سيناء النبطي الجيد خير تمثيل. فقد بدأ الشاعر بالنداء كعادة الشعر القديم في مخاطبة شخص متخيّل بدلا من مخاطبة الذات. ثم يذكّر هذا الشخص (وهو ذاته) بأن الزمان إن تزيّن أصاب المرء بالغرور؛ فيحذره: "افطن"، ثم يقدّم له نصيحة في صورة حكمة: "ترى الأيام سوق وتجارة". ويمضي في بيان حال السوق والتجارة التي تراوح بين الوقوف والحركة، والإنسان ضائع بين "ربح" يطمع فيه، و"خسارة" يحاول أن يتفاداها. هكذا حال الناس قبلنا، وهكذا حالنا بعدهم، "هواها" – أي هوى الدنيا – أدرك الجميع؛ ليصل الشاعر ببراعة إلى آخر المطاف "أمسى" يصفق يساره في يمينه، أو "يصفق في يمينه يساره"، ثم لا يستطيع إدراك ما فاته؛ فقد "أمسى"!!

هذه أبيات قصيرة، فيها قول فني كثير؛ لأنها من إنتاج شاعر حقيقي، يقول دون تكلف ولا تصنع، وهذه هي سمة (أبو نوره)، وسمة أسلوبه (السهل الممتنع).  


النهار نيوز :

أبو نوره الأحيوي شاعر السهل الممتنع

أبو نورة الأحيوي شاعر السهل الممتنع ، بقلم الأستاذ مسعد بدر

راشد بن حمدان الأحيوي

كاتب مهتم بانساب قبائل العرب
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    الاسمبريد إلكترونيرسالة